سيميائيات الصورة

مواضيع مفضلة

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

سيميائيات الصورة




  

سيميائيات الصورة




 بين آليات القراءة وفتوحات التأويل  

عتبةمنهجية :

  كيف يمكننا اليوم في ظل عالم المتغيرات،عالم الحياة الرقمية والتسوق الإلكتروني،الذي تغذيه خطابات العولمة،والتكنولوجيات الجديدة،من أن نتوقف ونقرأ صورة،أو نفهمها ونتأولها،وهي تحاصرنا في كل مكان، مخاطبة غرائزنا قبل عقولنا،تغرينا فنغتر،لتسلب إرادتنا لنقتنع بشراء منتوجاتها؟

 
إنها حضارة الصورة تعود من بعيد،لتزحزح حضارة الكتابة شيئا فشيئا،فقد آن الأوان لنكون وعيا بصريا،وثقافة بالصورة،قصد الإنخراط في حضارتها وفهم لغتها المتكثرة،لأن الشريك/الآخر الاقتصادي،والتجاري،والثقافي.. لن يمهلنا لنلتقط أنفاسنا حتى يغرقنا

في عالم من الصور والبصريات الإفتراضية،لهذا لابد من أن نستعد من الآن،إن على مستوى قراءة الصور وتحليلها،وإن على مستوى تأويلها وتداولها،فالصورة نحيا بها وتحيا بنا، ما فقهناها قراءة وتأولا.

 
لهذا جاء بحثنا في سيميائيات الصورة،باحثا عن معناها ورهاناتها المعرفية والدلالية،وكيف تلقيها داخل مجتمع الصورة،واضعين لها آليات قرائية تمكننا من فهم طبيعتها،وتحديد أنواعها،وتحليل مكوناتها،وتسنين لغتها،خاصة وأن خطاب الصورة تمارس علين إغراءاتها وخطابها الإقناعي لتسويق منتوجاتها،دون نسيان أفقها القابل لتأويل المفتوح ،لهذا يقول ريجيس دوبري،المتخصص في الصورة إن الصورة علامة تمثل

 
خاصية كونها قابلة لتأويل،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها وإليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها فقراءة الصورة وتأولها من البنيات المؤسسة لثقافة الصورة في العالم والوطن العربي على وجه الخصوص.
 
أولا - من السيميائيات البصرية إلى سيميائيات الصورة :

 
إن السيميائيات كما تنبأ إليها دوسوسور(1)،وشعبها تشارلس بيرس(2)،قد اشتغلت على مجالات عدة ليصعب حصرها،إلا أنها لم تعمق البحث ف بعضها،كما هو الحال مع الصورة،وهذا راجع إما لقصور الإجراءات التحليلية لدى الباحث،وإما لعدم إكتمال جهازه المفاهيمي والمصطلحي لمثل هذه المقاربات.

 
وهذا مما حذا ببعض الباحثين في الشأن السيميائي من أن يوسعوا البحث في مجال البصريات،قصد الإجابة على أسئلتها المهمة : كيف نتواصل بصريا ؟،وكيف نقرأ رسالة بصرية ؟،وكيف نكوّن ثقافة بصرية ؟،وكل هذه الأسئلة،وأسئلة أخرى تصدى لها رولان بارث بالإجابة في بحثه عن عناصر السيميولوجيا(3) التي طبق بعضا منها على الصورة باستعادته للطروحات والمقولات اللسانية لدسوسور(اللسان/الكلام،الدال/المدلول،الإعتباطية الضورية...)،وما جاء به يالمسلاف في سيميائيته حول مصطلحي(التعيين/التضمين أوالإيحاء)(4)،وما جاء به بيرس في مفهومه للإيقون بتفريعاته اللامتناهية،ليبحث بارث عن بلاغة للصورة،وكيف يأتي المعنى إليها ؟،وأين ينتهي؟،,إذا كان ينتهي فماذا يوجد وراءه؟(5).

 
إلا أن هذا الإنتقال من السيميائيات العامة إلى سيميائيات الصورة،لم يكن بهذه السهولة،

فكيف نقارب ماهو لساني بما هو بصري/إيقوني؟

 
علما بأن اللغة الطبيعية تختلف من حيث خصائصها وتوظيفاتها عن اللغة البصرية،وهذا ما أدى بالسيميائيين إلى أن يجدوا حلا لهذا الإشكال الجوهري والدقيق لمشروعية دراسة سيميائيات الصورة.

 
إذ نجد كيستيان ميتز أحد أكبر المشتغلين على سيميائيات السينما،يقول في إحدى مقالاته: إن اللغات البصرية تقيم مع باقي اللغات علاقات نسقية متعددة ومعقدة،ولا أهمية لإقامة تعارض ما بين الخطابين اللغوي والبصري،كقطبين كبيرين يحظى كل واحد منهما بالتجانس والتماسك في غياب أي رابط بينهما(6)،وهذا نابع من خصوصيا كل خطاب، وكل رسالة(7):

-
فالرسالة اللسانية تظل حبيسة قواعد النحو والتداول،أي خطية،خلاف الرسالة البصرية التي لا تخضع لقواعد تركيبية صارمة،إضافة إلى أن عناصرها تدرك بشكل متزامن.

-
الرسالة اللسانية تقبل التفكيك إلى عناصر يقوم المتلقي بإعادة تركيبها ليحصل المعنى،

في حين الرسالة البصرية تركيبية لا تقبل التقطيع إلى عناصر صغرى مستقلة لأنها ترابطية تختزن في بنائها دلالات لا تتجزأ.

-
الرسالة اللسانية تقوم على الخاصية الاعتباطية، أما الرسالة البصرية فهي قائمة على المماثلة والمشابهة.

 
وقد فصّل في هذه النقاط رومان غوبارن ليجد أن التعايش بين الصورة واللغة تعايش ضارب بجذوره في عمق التاريخ(8)،فمنذ ظهور الكتاب صار الإرتباط بين الصورة والنص عاديا،لأنه ليس هناك في الحقيقة أي معنى أن نكون (ضد) اللغة،أو معها،,لا(مع) الصورة أو ضدها،إن محاولاتنا تصدر عن قناعة بأن سيميولوجيا الصورة ستشتغل جنبا إلى جنب مع سيميولوجيا الموضوعات اللسانية وأحيانا تتقاطع معها...(9) كما يرى ك.ميتز.

ثانيا - أينما نولي وجوهنا فثمة صورة...تنـ(ـتـ)ظرنا :

 
أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة،فهي رفيقنا ومرافقنا،فأينما نولي وجهنا وجوهنا فهناك صورة تنظر إلينا في الجرائد أو المجلات،أو تنتظرنا في المكتب أو المنزل،أوفي الشوارع والطرقات،أوتطالعنا في التلفزيون أو عبر هواتفنا الجوالة،فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا،ولكن لابد من معرفة حياتها وموتها(بتعبير دوبري)،وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدداتها،فلكل شئ بدء ومنتهى،والصورة دائما في خلق جديد :

2-1- الصورة بين الخفاء والتجلي :

الناظر لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية كثيرة،وهذا لتعدد وسائل الإتصال البصري على وجه الخصوص،فمن سيميائيات الرسوم المتحركة، إلى سيميائيات السينما،إلى سيميائيات الفيدو...،كل هذه اللغات البصرية التي نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحددات عن أصل بدئها ونشأتها،فلابد علينا من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعنها التي تعمل بين الخفاء والتجلي،والغياب والحضور:

1-1- حدود الصورة :

 
الصورة في أصلها اللاتيني مشتقة من كلمة(imago)،المقصود منها كل تمثيل مصور مرتبط بالموضوع الممثل عن طريق التشابه المنظوري(10)،فأصلها الإشتقاقي يحيل على فكرة النسخ والمشابهة والتمثيل،وهي إما أن تكون ثنائية الأبعاد مثل الرسم والتصوير، أو ثلاثية الأبعاد مثل النقوش البارزة والتماثيل.

 
كما أنها في أصولها الإغريقية واللاتينية ترادف أيضا كلمة إيقون والتي يراد منها أيضا المشابهة والمماثلة،وعليها بنى بيرس سرح نظريته السيميائية،ليعتمدها اتجاهه كمصطلح مركزي لمقاربة الصورة(11).

 
فالذاكرة المصطلحية للصورة ومرجعيتا التاريخية والمعرفية ترجعانها إلى مصطلحي المشابهة والمماثلة،وكذلك إلى مصطلحات تجاورها وتقاربها منها(12):

* مصطلح الشبح (fantôme)، وهو مفهوم يطلق على الصنم باعتباره شبحا للأموات.

* مصطلح النظرة(le regard)، وهي عند الإغريق أن تحيا يعني أن تنظر،وأن تموت يعني أن ينعدم فيك النظر،فتتقلص بذلك الصورة عند الميت،لتضعف القدرة التواصلية مع الآخرين.

*
مصطلح السيمولاكر(simulacrum)،وهو عند اللاتنيين الخيال أو تلك الصورة التي نصنعها للميت حتى نمنحه حياة جديدة.

* مصطلح النزعة الإيقونية(iconoclature)،وهي نزعت أتت من الشرق كتعبير عن العقيدة المسيحية الشرقية،وإعادة حياة قديس ما من خلال تخليد هذه الإيقونة.

* مصطلح التمثيل/التمثل(représentation)،وهو مفهوم مركزي للصورة حيث نعطي لكل ما نراه صورة حتى نتمثله على وجه لائق،وهنا يدخل مفهوم الرمز ككاشف لحقيقة الصورة التي تتكلمه منذ البدء والتاريخ.

 
فالصورة في عرف الحكماء وغيرهم تطلق على معان منها كيفية تحصل العقل الذي يعتبر آلة ومرآة لمشاهدة الصورة،وهي الشبح والمثال الشبيه بالمتخيل في المرآة،ومنها ما يتميز به الشئ مطلقا سواء كان في الخارج،ويسمى صورة خارجية،أو في الذهن ويسمى صورة ذهنية...13.

 
أما التعريف الاصطلاحي للصورة في المعاجم السيميائية المتخصصةفهي تعتبر

السيميائيات البصرية كوحدة متمظهرة قابلة للتحلي،وهي عبارة عن رسالة متكونة من علامات إيقونية،لهذا فسيميولوجيا الصورة تجعل من نظرية التواصل مرجعها...14.

 
لتتطور الصورة بتطور الاتصال والإعلام والتكنولوجيات الرقمية، لتصبح صورا ذات أنواع وأصناف عديدة، فقد قام بول ألماسي بوضع خطاطة تصنيفية للصور، فجاءت في صنفين15:

* الصنف الأول: يدخل تحته

 
- الصور السينمائية : التي تندرج تحتها كل من (السينما،التلفزيون،الفيديو

* الصنف الثاني : وتندرج تحته ما يعرف بالصور الثابتة،والتي تنقسم إلى قسمين :

1- الصور الجمالية.

2-
الصور النفعية : ويدخل تحتها كل من :

  1- الصور الوثائقية.

  2-
الصور الإشهارية.

  3-
الصور الإخبارية.

2-
الصور بين التعيين والتضمين(الإيحاء :

ترتكز هذه النقطة على مبدأين لسانيين وسيميائيين مهمين يعتمدهما كل مشتغل على سيميائيات الصورة،وبهما تنتقل الصورة من عالم التحقيق إلى عالم التخييل المنفتح على كل تأويل.

 
لهذا نجد بأن رولان بارث استثمرهما في قراءته للصورة(16) بعدما طوعهما لجهازه المفاهيمي والمصطلحي،آخذا مصطلحي التعيين والتضمين كقطبين ووظيفتين مهمتين في سيميائية يالمسلاف (17)،فإذا كانت الوظيفية التعيينية تطرح سؤال ماذا تقول الصورة؟والتي ستجيب عنها القراءة الوصفية،فإن الوظيفة التضمينية أو الإيحائية ستطرح

 
سؤالا إجرائيا وتأويليا،وهو كيف قالت/تقول الصورة ما قالته/تقوله؟(18) وهذا ما ستجيب عليه القراءة التأويلية،باحثة في بنياتها التكوينية والتشكيلية،طارحين عدة أسئلة أخرى منها :

- ما هو أول شئ يجلب الانتباه للصورة؟
-
ما هو التأثير الذي توقعه علينا؟
-
ما هي العلاقة الموجودة بين الصورة والنص(في حالة وجوده)؟
-
كيف تنتظم عناصر الصورة،وما هي مكوناتها؟
-
ما تأويلنا للألوان الموجودة في الصورة ؟

كل هذه الأسئلة وكثير منها دعانا لوضع قراءة منهجية متأملة ومتأولة لها.

ثالثا - إقرأني فإني هذه الصورة من نظرة القارئ إلى منظور التأويل

إن القاعدة الذهبية لقراءة الصورة هي أن نتقبلها ونستقبلها دون أحكام مسبقة،وهذه الأحكام المسبقة تأتي إما من مرجعياتنا الدينية،أو التاريخية،أو الثقافية،أو الإيديولوجية،أو الجمالية(19) التي تعتمد على قانون المنهيات و الأمريات (أنظر ولا انظر،افعل ولا تفعل،قل ولا تقل..)،إلا أنه لا بد من الاعتراف بالمبدأ الذي تطرحه علينا قراءة الصورة،وهو تعدد

التأويلات،أو جمعية التأويل،لأن الصورة كما يقول ج.دوبري علامة تمثل خاصية كونها قابلة للتأويل(20)،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها إليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها،فبقدر ما هناك قراءات للصورة هنالك قراء لها،والمعرفة المكوِّنة للصورة في هذا المجال ليست دائما هي الحجة التي تسمح بتجزيئها،ففي هذه الجمعية يكمن غناء الصورة،فالصورة تتكلم في صمتها مع كل واحد منا؟،قائلة بصوتها إقرأني فإني هذه الصورة ؟


3-1- من قراءة النص إلى قراءة الصورة:

 
لابد علينا قبل أن نأتي على آليات قراءة الصورة بأنواعها،معرفة كيفية انتقالنا من قراءة النصوص إلى قراءة الصور،واضعين في عين الاعتبار الخصوصيات المائزة بين لغة تحليل النصوص،ولغة تحليل الصور،لذا سنعمل على إظهار الفوارق المنهجية والمعرفية بين القراءتين(21):

1- التعريف بالعمل :

 
أ- طبيعة العمل:

*
النص :                                          * الصورة:

-
الجنس(رواية،قصة،مسرح..                      - صورة فنية،صورة إشهارية
                                                   -
صورة وثائقية، رسم، لوحة...

  ب- السياق 

جزء من النص أو كله                                - تحليل الدعامة أوالسند (ملصق،
                                                     
إعلان، لافتة، مجلة صحفية
  ج- الموضوع المعالج :

 
موضوع مركزي                                   صورةمجسمة أو تجريدية،
موضع النص داخل العمل                              طبيعة صامتة،صورة شخصية


 
- تحليل العنوان وعلاقته إما بالنص أو بالصورة.
2-
التحليل :

 
أ- المبادئ الخارجية :
 
1- البناء :

-
تصميم النص                                     - خطية النظر(بناء مقطعي، محوري
-
البنية الخطية، الدائرية.                             - ملاحظة الخطوط(خطوط هندسية، أو                                                               منحنية..)أي التي توجد في خطوط
-
حل العقد أو تأجيلها                                - الزوايا.
-
التسلسلات.                                       - التصميم الأول، التصميم الثاني
                                                   -
المنظور، العمق، الخطوط الهاربة        

  

2- الإطار:
-
من يتكلم؟(الكاتب،السارد،الشخصيات                 - التصاميم(العام،القريب،الكبير
-
ملاحظة وجهات النظر.                             - زاوية النظر(مائلة،مائلة مضادة
-
تقابل الخطاب/الحكاية                               - الإضاءة
-
موقع السارد(صيغ التبئير                          - الإهتزازات/الإرتجاجات
-
الصيغ الثلاث للإقتباس...

3- التقنية :

أ- الإجراءات التعبيرية :
-
وقع الأسلوب
-
بلاغة النص                                        - بلاغة الصورة

ب- الآليات :
-
الحقول المعجمية.                                   - إختيار التقنية: مائية،زيتية،ترابية..
-
السجلات(مستويات اللغة).                           - الإجراءات الخطية،تشميع،تنقيط...
-
استعمال النحو والتركيب(طول الجمل،                  - الألوان الحارة،الألوان الباردة...
 
الصيغ،المقولات النحوية).                             - النبرة،صبغ الوجه،تنويع/تنميق
-
الصور،الإيقاع،الرنين                                - اللون.



4- إستقبال/تلقي العمل :

 -
من طرف النقد
-
من طرف الجمهور العريض
*
وهذا كله لتبقى للأجيال القادمة،فإما أن تقاوم الزمن فتشتهر،وإما أن تزول.
الملاحظ: وجود تقارب بين قراءة الصورة وقراءة النص، إلا فيما يخص طبيعة كل منهما، وخصوصياتهما البنيوية.



3- 2- بين آليات القراءة وفتوحات التأويل:

سننطلق من الصعوبة التي طالعنا بها دوبري وهو يحاول وضع قراءة للصورة،كونها منفلة وهاربة على الدوام،لذا يصعب علينا إيجاد أدوات لقراءة الصورة ووضع آليات لها(22)،إلا أننا سنحاول ضبط إنفلاتها وإرجاع ما هرب منها،بإتباع قاعدة تحتكم إليها قراءة الصورة،وهي الانفتاح والمرونة في تقبل قراءات الآخرين،فليس الفنان من يحتكم على مفاتيح الصورة/اللوحة بل أنا القارئ من أملك مفاتح مغالق هذه الصورة،فهي دائما تحتاج إلى مؤول يكلمها.

 
لتبقى التأويلات مستمرة مع استمرار الصورة،ولربما هذا هو السر الذي جعل كل حضارة لها طريقتها الخاصة في قراءة الصورة،بما هي لغة،فإذا كانت لغة فإنها تستطيع أن تكون كلام مجموعة معينة(23)،فيمكننا الآن أن ننتقل من محاذير قراءة الصورة،

والأحكام المسبقة التي قمعتها لزمن إلى إيصاء القارئ بكيفية الولوج إليها قراءة:

-
عليه قبل كل شئ أن يسترشد بفطرته.
-
الإعتماد على التلقائية،فهي أحسن معلم هنا.
-
معرفة الوقع الذي أحدتثه فيه،ومقدار المشاعر التي نقتها إليه.
-
اللحظات الأولى لتلقي الصورة،هي لحظات مهمة لفهم تعقيداتها،وما ستكشفه لنا من معاني.

بعد هذا طله يمكننا وضع شبكة تحليلية لقراءة الصورة، منشرطة بتلك النقلة التي رأيناها من قراءة النص إلى قراءة الصورة،مستفيدين من خصوصياتها التي لا يقولها النص،ومن المبدأين اللذان يحركانها وهما مبدأ التجميع ومبدأ التدرج(24) في قرأتها:

1- آليات قراءة الصورة :

 
يجب معالجة الصورة لإغناء رؤيتها(25)،فقبل أي تحليل لابد أن نميز بين مختلف أنماط الصورة،وهي من يحدد اختياراتنا لأهم عناصر التحليل،ومن يحفزنا للبحث فيما تحدثه من تأثيرات في القارئ- المشاهد الذي سيطرح عليها بدوره عدة أسئلة،كونها تخفي إحتمالات قرائية،باعتبارها كتاب مفتوح بتعبير أ.إيكو تعطينا حرية التأويل(26)،مركزة على ثلاث مراحل للقراءة :

 1- طبيعة الصورة
 2-
تحليل مكونات الصورة.
3-
المنظور التأويلي/تأويل الصورة.

إلا أن المرحلة الثالثة من قراءة الصورة،ستستقل بنفسها كونها قراءة تأويلية،تجاوز القراءة الوصفية(المرحلتين السابقتين.

1-1- طبيعة الصورة :

في هذه القراءة الوصفية التي تحاول الإجابة عن سؤال (ماذا تقول الصورة ؟)،فلسنا بحاجة إلى معرفة أخرى سوى ماهو مرتبط بمجال إدراكنا للصورة(27)،فالصورة تستند من أجل إنتاج معانيها إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الإيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة(وجوه،أجسام،حيوانات،أشياء من الطبيعة...)،وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى يطلق عليها التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية،أي تلك العلامات التشكيلية(الأشكال،الخطوط،الألوان،التركيب...)(28)،لهذا وجب علينا معرفة النمط الذيتنتمي إليه الصورة،وفي أي صنف تنخرط،هل هي تنتمي للصور السنمائية

السينما،التلفزيون،الفيديو،أو إلى الصور الجمالية،أو إلىالصور النفعية(الصور الإشهارية،الإخبارية،الوثائقية...)،وبهذا تتحدد طبيعة الصورة.

1-2- مكونات الصورة :

 
2-1- التنظيم المجمل للصورة :

يكوناستقبال الصورة في المرحلة الأولى مجملا،فالعين تمسح الصورة،ولكن تتبثها على نفسالإطار(29)،ليس بالكيفية الخطية التي نتلقى/نقرأ بها النص،لكن هذه القراءة المجملة ما تلبث لتصبح في مرحلة ثانية قراءة خطية،لأن تركيز بصرنا على الصورة سوف لن يمدنا دفعة واحدة بكل الرسالات والدلالات الممكنة،لذا يقتضي أن تقوم العين بمجموعة من الحركات العمودية والأفقية والدائرية(30)،محددة بذلك مسار الصورة

 
2-2- المنظور :

يميز أهل الإختصاص بين معنيين للمنظورية،معنى واسع يراد به العلم الذي يمكن في تمثيل الموضوعات والأشياء على سطح ما بالكيفية نفسها التي نراها بالبصر،أخدا بعين الاعتبار عنصر المسافة(31)،ومعنى ضيق عرف منذ بداية عصر النهضة،بأنه العلم الذي يكمن في تمثيل عدة موضوعات مع تمثيل الجزء المكاني أيضا،الذي توجد فيه هذه الموضوعات بحيث تبدو هذه الأخيرة مشتتة في مستويات المكان،كما يبدوا المكان للعين التي تتموقع في موضع واحد(32)،ليصبح هناك عدة منظورات،منظور جوي،منظور معكوس،منظور خطي(33).

 2-3- الإطار :

نسمي إطارا كل تقرير للتناسب أوالإنسجام بين الموضوع المقدم وإطار الصورة،حيث يأتي في أنواع مختلفة منها34:

-
الإطار العام أوالمجمل،والذي يعانق مجمل الحقل المرئي.
-
الإطار العرضي،والذي يقدم الديكور،بحيث نستطيع فصل الشخصيات أوالموضوعات.
-
الرؤية من القدم حتى ملئ الإطار،وهي التي تقدم الشخص كاملا أوالموضوع الموجود
 
في الإطار.
-
الإطار المتوسط،وهو يقدم صورة نصفية.
-
الإطار الكبير،وهو الذي يركز على الوجه أوالموضوع.
-
الإطار الأكبر،نجده يركز على تفصيل الموضوعات الموجودة.

2-4- زاوية النظر :

زوايا النظر تتواصل بربطنا بين العين والموضوع المنظور له/فيه(35)،فالقارئ- المشاهد ليس بالضرورة أن يركز على نفس زاوية النظر التي نركز عليها في الموضوع،ولا نفس الموقع الذي يتخذه المصور أو الفنان في حالة تصويره أو رسمه،لهذا علينا أن نطرح سؤال من أي زاوية ننظر للموضوع ؟

 
فنجد أن الصورة الفوتوغرافية مثلا هي من وضع الفوتوغرافي الذي يختار موقعه ضمن عملية التصوير،ليحدد إطار الموضوع الذي سيلتقطه بضبط الإنارة وكميتها(36)،أما الصورة الإشهارية فالتركيز يكون على زاوية النظر الوجهية(37) التي تقابلنا وجها لوجه وكأنها تخاطبنا.


2-5- الإضاءة والألوان :

 
5-1- الإضاءة :

هي من العناصر التي تثير الانتباه في الصورة،فالهالة الضوئية تعمل على تقريب أو تبعيد الموضوع أو الشخصية،كما تمنحهما قيمة.

 
بحيث أن التيباين(contrast) يأخذ نجاعته الدرامية سواء كنا أمام صورة فنية أو صورة إشهارية (38)،فلابد علينا أن نأخذ بعين الإعتبار المعنى المقدم من طرف الإضاءة ونحن نقرأ الصورة،فإذا كانت الإضاءة على الجانب الأيسر فالمنتوج المقدم يعد منتوجا مستقبليا أما إذا كانت الإضاءة مركزة على الجانب الأيمن فالمنتوج مرتبط بالماضي أي بالأصول والتقاليد،وكذلك المعرفة بالفعل.

 
لذا وجدنا عدة أنماط للإضاءة منها:

- الإضاءة الآتية من الأمام،أو إضاءة ثلاث أرباع الصورة، وهي تضيء أحجام أو خطوط معينة مركزة عليها قصد إعطائها قيمة.

- الإضاءة الآتية من العمق، بحيث يكون الموضوع أوالشخصية أمام الناظر إليها.

- الإضاءة المعاكسة للنهار(contre-jour)،بحيث تتموقع الإضاءة وراء الشخصية تارة تاركة بعض أجزائها للظل،وهذا غالبا ما نجده في المنتوجات الإشهارية الخاصة بالتجميل والزينة وعروض الأزياء.

 
5-2- اختيار الألوان :

تعتبرالألوان شأن ثقافي،وهذا يعني أن لتربة المحلية الأثر الوازن في حمل المعاني والدلالات للألوان،فلا يمكن مقاربة لون إلا من وجهة نظر المجتمع والحضارة التي نشأ فيها،إن على صعيد التأويل الجمعي الذي يؤطره،وإن على صعيد المتخيل الإجتماعي والرمزي اللذين يمتح منهما(39).

 
لهذا وجب علينا اختيار ألوان الصورة، بتفعيل مبدأين مهمين لإختيار الألوان هما مبدأ هارمنية الألوان، ومبدأ تباينية الألوان (40)، فهارمنية الألوان هي التي تعمل على تدرجه لتوليد لون من لون آخر،أما تبانية الألوان هي من تخطط وتنظم إدراكنا لعناصر الصورة(41)،فنجد بأن هناك:

-
الألوان الفاتحة والألوان الغامقة.
-
الألوان الحارة( أحمر، برتقالي، أصفر...)، الألوان الباردة( أخضر، أزرق، بنفسجي.
-
دون أن ننسى اللونين الأبيض والأسود باعتبارهماقيمتين أكثر من لونين.

2- تأويل الصورة :

 
إن الصورة موجودة لأننا نقرأها(42)،فبعد هذه القراءة الوصفية لصورة- النص على

التعيين بتحديد طبيعتها ومكوناتها(المنظور،زاوية النظر،الإضاءة،اختيار الألوان...)، سيتخذ القارئ من هذه القراء الجماعية التي تواضعت عليها الجماعة المفسرة عونا تأويليا يعضد به قراءته الفردية لنص الصورة،الذي سيتقاطع فيه المستوى التعييني بالمستوى التضميني،ليشكلا قطبا الوظيفة السيميائية،ويحققا شكل مضمون الصورة،لأن التأويل الصورة مثل كل تأويل،يحتاج إلى بناء السياقات المفترضة من خلال ما يعطى بشكل مباشر،ولا يمكن لهذا التأويل أن يتم دون استعادة المعاني الأولية للعناصر المكونة للصورة،وضبط العلاقات التي تنسج بينها ضمن نص الصورة(43)،لنخلص إلى أن كل القراءات التي تناولت الأعمال الفنية والصور هي عبارة عن تأويلات يستحيل معها تطابق الصورة مع المرجع(44)،فالصورة في العود والبدء دائما في خلق قرائي وتأويلي جديد.

*
خاتمة منهجية :

 
بعد هذه الرحلة البحثية في إرتحالات قراءة الصورة،التي حاولنا من خلالها فهم الصورة وتفهيمها،بتحديدنا لسيميائيات الصورة كمنهج لقراءتها على إختلاف أصنافها،على الرغم من صعوبة ضبط قراءة منهجية جامعة للصورة،أو وضع شبكة تحليلية تستجيب لكل مقتضياتها،وهذا لتعقيد مكوناتها،وذاتية تأويلاتها،إذ لم تنشرط بمرتكزات معرفية،وثقافية متينة.

 
فقراءتنا للصورة لا تعد القراءة الوحيدة والشاملة،فلكل قارئ أن يضع شبكة منهجية لقراءتها،متكئا على كفاءته التأويلية،وقدرته الإنجازية لفهم علاماتها التشكيلية والبصرية عامة،فقراءة الصورة ترتكز أساسا على المعرفة والثقافة واللذة،لهذا نحن نحيا بها وهي تحيا بنا،مكونين بذلك مجتمع الصورة الذي سيقدرنا على مخاطبة المجتمعات الأخرى التي حولت الصورة من لغة عبرة وبيان إلى لغة قهر وسلطان،فالصورة لغة فالنتفاهم بها معا.

إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف